لكن في الحقيقة، الرش على النبات وهو عطشان يُعد من أكثر الأخطاء شيوعًا وخطورة على المحصول،
لأنه يعرض النبات للإجهاد المائي ويقلل فعالية الرش، بل وقد يؤدي إلى حروق الأوراق وضعف النمو.
ما المقصود بأن النبات عطشان؟
يُقال إن النبات عطشان عندما يقل محتوى الماء داخل أنسجته إلى مستوى لا يكفي لتغذية الخلايا أو تبريدها،
وهو ما يعرف علميًا باسم الإجهاد المائي (Water Stress).
في هذه الحالة، يحاول النبات الدفاع عن نفسه من فقدان الماء من خلال إغلاق الثغور (Stomata) الموجودة على سطح الورقة،
مما يؤدي إلى تقليل عملية التبخر، ولكن هذا الإغلاق يسبب أيضًا مشاكل كبيرة عند القيام بالرش الورقي.
أولًا: إغلاق الثغور يقلل امتصاص الرش الورقي:
عند تعرض النبات للعطش، الثغور تغلق تلقائيًا لتقليل فقدان الماء.
لكن معظم امتصاص العناصر الغذائية أو المبيدات التي تُرش على الأوراق يتم من خلال هذه الثغور،
أي أن غلقها يمنع دخول المادة المرشوشة إلى داخل النبات.
لذلك، حتى لو استخدمت أفضل أنواع الأسمدة الورقية أو المبيدات،
فإن فعاليتها ستكون ضعيفة جدًا في هذه الحالة لأن الورقة لا تمتصها بكفاءة.
ثانيًا: زيادة تركيز الرشة على الورقة يسبب الحروق:
عندما تكون التربة جافة والنبات عطشان، تقل نسبة الماء داخل خلايا الأوراق.
هذا يجعل سطح الورقة أكثر حساسية وأقل قدرة على مقاومة تركيز المواد الكيميائية.
وبالتالي، عند الرش على نبات عطشان، فإن المادة المرشوشة (سواء كانت سمادًا أو مبيدًا)
يمكن أن تسبب حروقًا أو تلفًا في أنسجة الورقة بسبب الجفاف.
كما أن معدل التبخر يكون عاليًا، ما يزيد من تركيز الرشة على الورقة ويضاعف الضرر.
ثالثًا: ضعف حركة العناصر داخل النبات:
حتى في حال امتصاص جزء من الرشة عبر الأوراق، فإن نقلها داخل النبات يعتمد على الماء.
فالماء هو الوسيط الأساسي الذي تتحرك فيه العناصر داخل الأنسجة عبر الأوعية الناقلة.
عندما يكون النبات في حالة عطش، تقل كمية الماء المتاحة للنقل الداخلي،
وبالتالي تقل كفاءة توزيع العنصر أو المبيد داخل النبات.
النتيجة: لا يستفيد النبات من الرشة كما يجب، رغم الجهد والتكلفة التي بذلها المزارع.
رابعًا: الإجهاد يزيد من الضرر ويضعف مقاومة النبات:
الإجهاد المائي يجعل النبات في حالة ضعف عامة.
فعندما ترش عليه في هذا الوقت، بدل أن تساعده على التعافي،
فإنك تضيف عليه إجهادًا جديدًا كيميائيًا وفسيولوجيًا.
هذا قد يؤدي إلى توقف النمو أو تساقط بعض الأوراق أو حتى انخفاض في الإنتاجية.
النباتات المجهدة لا تتفاعل جيدًا مع الرش،
بل تتضرر بسهولة لأن دفاعاتها الطبيعية ضعيفة جدًا في تلك اللحظة.
الوقت الأنسب للرش على النبات:
القاعدة الذهبية تقول: لا ترش على النبات وهو عطشان.
أفضل وقت للرش هو عندما تكون التربة رطبة، أو بعد الري بوقت كافٍ حتى تستعيد الأوراق حيويتها.
ويفضل أن يكون الرش في الصباح الباكر، حيث تكون درجات الحرارة معتدلة والرطوبة مرتفعة،
مما يساعد على امتصاص أفضل دون خطر التبخر أو الحرق.
أما في حالة الرش ضد الديدان أو الآفات الليلية،
فيُفضل الرش في آخر النهار أو قبيل الغروب لأن هذا وقت نشاطها.
نصائح إضافية لنجاح الرش الورقي:
- تأكد من أن النبات غير عطشان قبل الرش بمدة لا تقل عن 6 ساعات من الري.
- اختر ساعات الصباح الباكر أو آخر النهار لتجنب حرارة الشمس العالية.
- استخدم مياه نظيفة خالية من الأملاح العالية أثناء تحضير محلول الرش.
- اختبر الأس الهيدروجيني (pH) للماء؛ فالماء الحمضي قليلاً (5.5 – 6.5) يساعد على امتصاص أفضل.
- لا تخلط أكثر من مادة دون استشارة مهندس زراعي لتفادي التفاعلات الكيميائية الضارة.
- استخدم ملصقات لاصقة (Adjuvants) عند الحاجة لزيادة التصاق الرشة بالورقة.
- راقب حالة الأوراق بعد الرش بيومين لاكتشاف أي أعراض مبكرة للحروق أو الإجهاد.
أهمية الوعي بمفهوم الإجهاد المائي:
من المهم أن يفهم المزارع أن النبات ليس مجرد كائن ثابت،
بل يتفاعل مع البيئة من حوله بشكل دقيق جدًا.
الإجهاد المائي لا يعني فقط نقص الماء، بل هو اختلال توازن كامل بين الامتصاص والفقد،
ويؤثر على جميع العمليات الحيوية داخل النبات، من النمو والتمثيل الضوئي إلى الامتصاص والنقل الداخلي.
لذلك، أي عملية زراعية تُجرى أثناء هذا الإجهاد — مثل الرش —
قد تؤدي إلى نتائج عكسية وتدهور في المحصول بدلًا من تحسينه.
الخلاصة:
الرش الورقي من أهم العمليات الزراعية لتحسين التغذية ومكافحة الآفات،
لكنه سلاح ذو حدين.
إذا تم في الوقت الخطأ — أي عندما يكون النبات عطشانًا —
فإنه يسبب أكثر مما يفيد.
لذا، احرص دائمًا على أن تكون التربة رطبة والنبات في حالة حيوية قبل الرش،
واختر التوقيت المناسب والظروف الجوية المثالية لتحقيق أقصى فائدة دون ضرر.
🌿 تذكّر دائمًا: رش النبات وهو عطشان خطأ فادح،
انتظر حتى ترتوي الأرض ويستعيد النبات نشاطه،
لتجعل الرشة فعالة وآمنة وتزيد من إنتاجية محاصيلك.


